
الاختبارات الدقيقة تؤكِّد كفاءة الأداء، وتعزّز مسيرة الإمارات نحو امتلاك تكنولوجيا فضائية سيادية
أبوظبي، الإمارات العربية المتحدة – 6 أكتوبر 2025 - أعلن معهد الابتكار التكنولوجي، ذراع الأبحاث التطبيقية لمجلس أبحاث التكنولوجيا المتطورة في أبوظبي، عن نجاحه في تصميم وبناء واختبار تشغيل أول محرّك صاروخي يعمل بالوقود السائل في دولة الإمارات، في إنجاز استراتيجي يُرسّخ القدرات السيادية المتنامية للدولة في قطاع الفضاء.
ما هو المحرك الصاروخي السائل؟ ولماذا يُعد مهماً؟
تُشكّل المحركات الصاروخية العاملة بالوقود السائل قلب استكشاف الفضاء الحديث. وهي الأساس لتطوير مركبات الإطلاق القابلة لإعادة الاستخدام والتي بدورها تتيح وصولاً منتظماً ومستداماً إلى الفضاء. ومن خلال إتقان هذه التكنولوجيا، أصبحت دولة الإمارات قادرة على تصميم أنظمة الدفع اللازمة للمناورات المدارية، والحفاظ على مواقع الأقمار الصناعية، وضبط مواقع المركبات الفضائية بدقة، إلى جانب تمكين المهمات المستقبلية إلى القمر وكوكب المريخ.
نبذة عن أول محرك صاروخي بالوقود السائل في دولة الإمارات
المحرّك المطوَّر حديثاً هو محرك دفع صاروخي سائل بقدرة 250 نيوتن، ما يعادل القوة اللازمة لرفع 25 كيلوجراماً على سطح الأرض، وقد تم تصميمه وتطويره بالكامل داخل دولة الإمارات. وتُستخدم المحركات من هذه الفئة عادةً في أنظمة دفع الأقمار الصناعية الصغيرة ولأغراض المناورات المدارية، مما يجعلها ركيزة أساسية في تطوير قدرات التنقل الفضائي. وخلال سلسلة من الاختبارات الصارمة، حقّق المحرك كفاءة احتراق وصلت إلى 94%. كما تمكّن من إنجاز أكثر من 50 عملية إطلاق ناجحة، مما يؤكد دقة التصميم وموثوقيته وثبات أدائه، وهي معايير الأداء الأساسية لاستخدامه في التطبيقات الفضائية المستقبلية.
وفي حديثها عن هذا الإنجاز، قالت د. نجوى الأعرج، الرئيس التنفيذي لمعهد الابتكار التكنولوجي: "هذا المحرك ليس مجرد إنجاز تقني؛ بل إنه يمثل الأساس لبناء القدرة التي ستمكّن دولة الإمارات العربية المتحدة من تصميم واختبار ونشر أنظمة دفع تخدم مجموعة واسعة من المهمات المستقبلية. ومن خلال تطوير هذه الخبرة هنا في أبوظبي، فإننا نُرسّخ واقع التكنولوجيا الفضائية السيادية، ونضمن أن تكون الكفاءات الوطنية في قلب تشكيل هذا المستقبل."

بناء مستقبل فضائي سيادي
تم تأسيس برنامج المحركات الصاروخية العاملة بالوقود السائل لمعهد الابتكار التكنولوجي في أبوظبي، حيث يجمع بين نخبة من المهندسين الإماراتيين ومجموعة مختارة من الخبراء الدوليين لتأسيس قاعدة معرفية تُسهم في تمكين الكفاءات الوطنية وإلهام جيل جديد من مبتكري الفضاء. ويعزّز هذا البرنامج في دفع المهمة الأوسع لمعهد الابتكار التكنولوجي، والتي تتمحور حول بناء قدرات الدفع الفضائي في دولة الإمارات، وتشمل توسيع نطاق تصاميم الدفع، وتطوير محركات مزوّدة بأنظمة التبريد التجديدي Regenerative Cooling، وفي نهاية المطاف تمكين الوصول المستقل والمتكرر إلى الفضاء لدعم المهام العلمية والتجارية والاستكشافية.
وفي هذا الصدد، قال الدكتور إلياس تسوسانيس، كبير الباحثين في مركز بحوث أنظمة الدفع والفضاء التابع لمعهد الابتكار التكنولوجي: "يُجسّد نجاح تشغيل أول محرك صاروخي سائل في دولة الإمارات إنجازاً تاريخياً يرسّخ مكانة الدولة في مجال الفضاء، ويؤكد قدرتها على امتلاك تقنيات دفع سيادية متقدمة. فهذا النجاح هو ثمرة التزام فريقنا وجهوده المستمرة، ويعكس الريادة التي نحققها في أبحاث الفضاء. ومع إنشاء بنية تحتية محلية متخصصة للاختبارات، نمضي بخطى واثقة نحو توسيع أنظمة الدفع وتطوير تقنيات مبتكرة قادرة على تمكين المهمات المدارية ورحلات فضاء الأعماق. هذه لحظة فخر وطنية، ونقطة انطلاق لمسيرة أوسع نحو مستقبل فضائي طموح يقوده أبناء الإمارات.
تم تنفيذ الاختبارات الأولية في مرافق شركة Airborne Engineering في المملكة المتحدة ضمن إطار تعاون دولي، ولكن الخطط جارية حالياً لإنشاء بنية تحتية مخصصة للاختبارات في دولة الإمارات، حيث ستتيح هذه المنشآت إجراء اختبارات التدفق البارد (Cold-flow) وإطلاق المحركات محلياً، بما يدعم استمرار الابتكار على أرض الوطن. وتتضمن خارطة الطريق المقبلة توسيع نطاق أنظمة الدفع لتشمل المحركات الأكبر حجما، والانتقال إلى الدفع باستخدام الوقود المبرد (Cryogenic Propellants)، ودعم المهمات نحو فضاء الأعماق ، وهو ما يعكس إصرار أبوظبي على لعب دور محوري وفعّال في مستقبل الاستكشاف الفضائي العالمي.